بحث

الخميس، يونيو 06، 2019

قلم مليتون فريدمان ... أعط الخباز خبزه

في عام 1980م قدم ميلتون فريدمان الحائز على نوبل في الاقتصاد رؤيته حول السوق الحر وأهمية فتح الأسواق.  لخص حجته الشهيرة المسماة قلم فريدمان في مثال لشيء شائع ويبدو أنه بسيط وهو قلم الرصاص. يقول أنه لا يمكن لأحد على وجه الأرض أن يعرف صناعة قلم الرصاص بالكامل وكيف أن كل جزء منه قدم من جهة وبلد. وأن كل جزء يحتاج إضافة من شخص ومعدة أخرى، فالخشب على سبيل المثال يحتاج إلى منشار والمنشار يحتاج إلى مواد أولية وتعدين. وأنه ربما يزيد عن ألف شخص اشتركوا بتصنيع هذا القلم الذي يبدوا انه بسيط. إن أحببت مشاهدة مقولته من فيه فهي في اليوتيوب ولها ترجمة.
صاحب البث الصوتي الاقتصادي الشهير رادو فريكونميك ستيفن دبنر Stephen J. Dubner .  أخذ هذه المسألة حرفياً في سلسته كيف يمكن أن يكون هذا صحيحاً الحلقة 236 وذهب إلى صاحب مصنع من الجيل الرابع من عائلته في هذا المصنع. وصاحب المصنع يعرف كل خطوة في التصنيع. لكنه كما زعم فريدمان أنه لا يمكن لأحد أن يعرف بالكامل تصنيعه. فصاحب المصنع يشترى أدوات المصنع والمواد الخام ولا يصنعها ولا يعرف كيف تصنع المواد الخام.
وقابل شخص بريطاني له تجربة في محاولة صناعة حماصة الخبز من الصفر. وهي مكونة من أكثر من 400 قطعة مصنوعة من أكثر من 100 مادة. وليصنع هذه الحماصة ذهب إلى متحف كان منجم حديد ليأخذ منه الحجر واستخدم الحديد بدلا عن الستيل لأنه أسهل في التصنيع. ولم يتمكن من العثور على نحاس خام فأذاب عملات معدنية ولم يتمكن من تصنيع البلاستك فأعاد تدويرها من النفايات وانتهى به المطاف بتكلفة تقارب ألف وثلاثمئة جنيه إسترليني وكان يمكنه أن يشتريها من السوق بسعر أقل من خمسة جنيهات. تجربته يمكن الاطلاع عليها في تيد مترجمة للعربية.
عندما أقول لأحد ما أن في السعودية هناك صناعة للمادة الفلانية أو القمر الفلاني يقول لك لا. لا يسمى هذا تصنيعاً. لأنهم لم يصنعوه بالكامل. لا أظن أن أحداً يصنع شيئاً من مواده الأولية. فهو إن قدر على معرفة طريقة التصنيع منعته التكاليف المادية. فهذه السيارات على سبيل المثال كل قطعة منها من بلد ومصنع. وهذه أجهزة الجوالات بين يديك أشهرها الآيفون قد دمغوا ظهره بعبارة أن هذا الجهاز مصمم في أمريكا! لكن كل قطعة منه من شركة وكل برنامج من مبرمج ويجمع في الصين !.  ونقص الموردين سبب في أن تكاليف المشاريع التي تكون فريدة سابقة في مجالها في الغالب أعلى من غيرها. ذلك أن هذه المشاريع تحتاج لحل الكثير من المعوقات لنجاحها وتعاني من قلة الإمداد من الموردين لأن لأحد غيرك يطلب هذا الشيْ أو المادة. ولنضرب لهذه النقطة مثالاً واضحاً. فتكاليف صواريخ ومكوكات الفضاء لناسا الأولية كانت باهظة الثمن جداً لأنها تواجه شيئاً جديدا يتصلب مواداً خاصة وبرمجيات جديدة ومعارف فريدة تقوم بجلها ناسا. لكن الآن يمكن أن تقوم بها شركة مثل شركة المبدع إيلون ماسك، ليس تقليلاً لعمله لكن هناك من سبقه وذلل الكثير من العقبات أمامه. ومثل رحلة برنامج الفضاء الهندي شاندران-2 التي كلفت ما يقارب 125 مليون دولار وهو مبلغ قليل مقارنة ببرامج الفضاء الأخرى حول العالم. ربما يقول قائل أن هذا بسبب انخفاض تكلفة العامل البشري في الهند مثلاً. ربما هذا صحيح جزئياً. لكن الجزء الآخر هو أن المعرفة والمؤسسات العلمية والموردين والبرامج أصبحت أكثر تنوعا ووفرة وأرخص ثمناً.
على المستوى الفردي من الأفضل تجنب التفكير الذي يميل للقيام بكل شيء. ولنضرب مثلا بمطعمين. أحدهما يشتري الطيور والعجول من السوق يذكيها ويسلخها ويوزعها إلى قطع بحسب حاجته ويزرع البر ويطحنه ويعجنه ويخبزه ويفعل شبيه هذا الفعل في كل ما يخص المطعم. وآخر يشتري ما يحتاجه من الموردين مباشرة. أيهما أقل تكلفة وجهدا.
مثال آخر على المستوى الفردي عندما يبني بعض الناس بيته بنفسه ولا يسلمه لمختص فهو يضيع جهده وماله ووقته ولو سلمه لمن يحسن هذا العمل ربما كان أنفع له وأسلم للبنيان. هناك من الناس من إذا أراد أن يضع مدونة أو موقعاً أشغل نفسه بالتصميم وبالبرمجة ومواضيع تقنية ليس لها آخر. هب أنه أتقن ذلك كله، أليس هدفه الأساسي الكتابة. فأنشغل عن الهدف إلى الوسيلة. ومثله ما تجد في مستودع جت هب للبرامج المفتوحة المصدر. فأحدهم يريد برنامجا أو أداة لتقوم بعمل معين خلال مرحلة دراسية فنشغل بهذه الأداة أو البرنامج لسنة أو سنتين يعدل في الأخطاء ويرقع العثرات. ولو أنه دفع مبلغاً من المال لبرنامج غير مفتوح المصدر لكان أقل تكلفة من وقته الثمين الذي أمضاه في إصلاح برنامجه.
لذلك أعط الخبز خبازه . . .

الخميس، مايو 23، 2019

لا يهتمون

هل تظن أن الآخرين يشغلهم كثيراً ما يدور في عالمك أو دولتك أو مدينتك؟ يسأل بعض الناس مثلاً لماذا يهتم الغرب ببلدي، لماذا يركزون على ما يدور في عالمي أو منطقتي أو ثقافتي.
الحقيقة أن الغربيين غالباً لا يهتمون بما يدور في عالمك ولا يهتمون كثيرا بثقافتك. لكن أنت ونحن من يهتم بنظرة الآخرين ونعتقد أنها تركز علينا.
 لنفرض جدلاً لأنك من دولة خليجية و لنقل من الكويت. ربما تظن أن الغرب مهتم بدولتك! حسناً أحص المجلات والصحف الأوربية وهي هائلة العدد. وأنظر عدد المقالات التي تتكلم عن بلدك مقابل جميع المقالات. ستجدها لا شيء. ربما بضعة مقالات في السنة ولا تزيد عن مئة مقالة مقابل مئات الآلاف من المقالات المتنوعة عن مختلف المواضيع. لكن المقالات البسيطة هذه لها وقع في نفسك وأثر، واهتمامك بها يفوق المقالات الأخرى غالباً لأنها تلامس شيئا يعز عليك وتهتم به. وهكذا تظن أن غيرك مهتم بك كثيرا!
دعني أخبرك عن ثلاثة زملاء أحدهم من الهند والآخر من الباكستان والثالث من كينيا بينهم عامل مشترك واحد وهو أنهم من أقليات ربما لم يسبق لك أن سمعت بها. مع أن عددها بالملايين ولهم لغات مختلفة عن باقي الوطن الذي يعيشون به. صدقني أنهم مثل كثير من الناس يظنون أن العالم يهتم !
أما الكيني فهو الأقلية من شعب اللوهيا أو اللويا وعددهم أكثر من خمسة ملايين ولهم لغتهم الخاصة ويعيشون في غرب كينيا.
أما الباكستاني فهو من شعب الهندكو ويعيشون قرب بشاور والحدود الباكستانية الأفغانية ولهم لغتهم الخاصة وعددهم يقارب الأربعة ملايين.
أما الهندي فإن فهو في ملامحه وبنيته إلى أي شعب آخر في جنوب شرق آسيا أقرب منه إلى شعوب الهند.  ولغته الأم أقرب في السمع للغات الصينية والتيبتية منه إلى اللغات الهندية. وهو من شعب ميتي/ميثي ولهم لغتهم التي تدعى بنفس الاسم ولهم خط للكتابة مستقل وعددهم يقارب المليونين.
لم أكن أعرف هذه الشعوب أو أسمع عنها قبل مقابلتي لهؤلاء الأشخاص. لبعدهم عن دائرة الاهتمام. وأظنك لا تعرفهم أيضا لأنهم خارج دائرة الاهتمام الخاصة بك.