بحث

الثلاثاء، مارس 31، 2009

الفراق:

لا بأس على قيس حين قرب الفراق فقال :

تمتع من شميم عرار نجد    فما بعد العشية من عرار

ألا يا حــــبذا نفـــحات نجد      وريا روضه غبُ القطار

أو ابن زريق حين يتعذب ويمتع الأدباء في ساعة الفراق:

ودعـــتـه وبــــــودي لـو يودعـــنـي     صفو الحياة وأنـي لا أودعـه
وكم تشبّث بي يوم الرحيل ضحى    وأدمعـي مستهـلات وأدمعـه

فقد سار بعدهم الناس وقبلهم في ذم ساعات الفراق ولوعة الشوق ساعة الرحيل ولربما كانت في الشعر العربي من أجمل الأوصاف إذ أن ساعة الفراق تهيج النفس والروح ويتوارد على الذهن الخواطر بمن يحب وترق  النفوس فيها كثيرا. فمن استطاع الشعر وقولة؛ عبرت نفسه بالشعر ؛  إذ أن الشعر يستل ما في النفس ويعبر عنها بأصدق العبارات وبأرق القوافي ، ومن لم يستطع الشعر ربما همهم بكلمات وألحان دون بيان ، وربما غلب على النفس ما تجده فانعقد اللسان عن البيان والتعبير وأحتبس؛ لما في النفس من المعاني التي يعجز عن إيصالها اللسان؛ فتفيض العين وتجهش النفس بالبكاء معلنة حالة من الاضطراب والوجد لا يسكنها سوى البكاء ؛ إذ هو أقدر على البيان من اللسان ، ألم ترى إلى من يبكي فرحا أو حزنا أو وجدا؛ كلهم قد عجزت ألسنهم عن ايصال المشاعر ففاضت العيون بأبلغ عبارة وأفصحها.

وتشتاق النفس لمن بعدت عنه من الاحبة الذين ألفتهم ، لما اعتادت عليه من الإلفة والتوافق في المشاعر والقلوب ، ثم إن بعدت عنهم أخذت تلوم ذاتها على الفراق كقول ابن زريق:

كم قائل لي ذنب البين قلـت لـه    الذنب والله ذنبي لست أدفعـه
هلا أقمت فكان الرشـد أجمعـه     لو أنني يوم بان الرشد اتبعـه

وربما اشتاقت النفس لمن ألفتهم في الديار فأخذت تذكر الديار ، وما تريد الديار وتذكر الروض و بدل الروض روض وتذكر الربيع والربيع بكل ارض ، لكنها اردت من كان صاحبها في الربيع وانيسها في الروض.

وما حب الديار شغفن قلبي          ولكن حب من سكن الديارا

أو قد يكون الحنين لما ألفت النفس من العوائد والطبائع في تلك الديار  ،،،

وغربة المكان اخف وطأة ، إذ باستطاعته الخروج منها غالبا والعودة لمن يألف ، لكن الغربة كل الغربة غربة الزمان التي لا تطاق:

إذا ذهب القرن الذي أنت منهم            وخلفت في قرن فأنت غريب

فطوبى للغرباء…

رزقنا الله دار القرار التي لا فراق فيها ، إخوانا على سرر متقابلين.